يصف الكاتبان لبنى مصاروة وبيتر أوبورن تصاعد موجة عنف استيطاني ضد القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي بلغت ذروتها في قرية الطيبة ذات الغالبية المسيحية. يتحدث الأهالي عن رعب يومي يعيق حياتهم في موسم الزيتون، حيث يخشى المزارعون دخول أراضيهم خشية اعتداءات المستوطنين المسلحين الذين يتحركون بحرية تامة تحت حماية الجيش الإسرائيلي.

 

وفق ما أورد ميدل إيست آي، أغلق الجيش الإسرائيلي مداخل القرية ببوابات يمكن إقفالها في أي لحظة، ما يجعل السكان محاصرين تمامًا. روى يوسف موسى، رجل بدوي في الرابعة والستين، كيف اقتحم مستوطنون خيمته ليلًا وضربوه حتى فقد الوعي وكسروا ضلوعه، ثم سرقوا أمواله وذهب عائلته و85 رأسًا من أغنامه. عندما وصلت سيارة الإسعاف لنقله، رفض الجنود فتح البوابة. يقول موسى بأسى إن المستوطنين “قلبوا المكان رأسًا على عقب” وأخذوا رأس ماله كله.

 

تعيش مئات القرى الفلسطينية الوضع ذاته، في ظل تفشي العنف الذي يمارسه المستوطنون بحرية تامة. يطلقون النار ويسرقون ويحرقون المزارع ويهجرون السكان، دون أي تدخل فعلي من الشرطة أو الجيش إلا لحمايتهم. شهدت مدن مثل رام الله ونابلس وبيت لحم هجمات متزامنة على المزارعين خلال موسم الزيتون. في قرية ترمسعيا، وثّقت الكاميرات مستوطنين ملثمين يضربون امرأة مسنة ومتطوعين أجانب بالعصي، ويحرقون سيارات ويسرقون المحاصيل.

 

يصف الناشط الفلسطيني جمال جمعة هذه المجموعات بأنها “ميليشيات فاشية”، إذ تتبنى أيديولوجيا عنصرية تعتبر الفلسطينيين أقل شأنًا من البشر، وتحظى بدعم مباشر من حكومة بنيامين نتنياهو. يتصدر هذه الحملة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أحد قادة اليمين المتطرف ووزير في وزارة الدفاع، الذي يسعى إلى توسيع الاستيطان وفرض السيطرة الكاملة على الضفة.

 

سموتريتش أعلن صراحة نيته ضم 82% من أراضي الضفة الغربية، في خطة تهدف إلى حشر الفلسطينيين داخل جيوب معزولة في المدن الكبرى، بما يجعل إقامة دولة فلسطينية أمراً مستحيلًا. خلال إعلانه عن مشروع استيطاني جديد يضم أكثر من 3 آلاف وحدة سكنية، قال إن “الدولة الفلسطينية تُمحى من الطاولة بالفعل، لا بالشعارات بل بالأفعال، فكل وحدة استيطانية جديدة مسمار في نعش هذا الوهم”.

 

يرى مراقبون أن هذه السياسات تنفذ على الأرض بالفعل. مجلة ذي إيكونوميست، رغم تأييدها لإسرائيل، أقرت بأن “الضم جارٍ فعليًا”. في قرية الطيبة، يمكن للسكان مشاهدة التغيرات بأعينهم: الأراضي التي كانت تمتد أمام الكنيسة القديمة أصبحت مسرحًا لعنف مستمر، حيث يُطرد الرعاة والمزارعون من أراضيهم تحت ذريعة الأمن.

 

تعرضت القرية في يوليو لهجوم جديد، بعد أن أحرق مستوطنون كنيسة القديس الخضر التي تعود للقرن الخامس. زارها حينها السفير الأمريكي مايك هاكابي، متحدثًا عن “ضرورة محاسبة الجناة”، كما زارها لاحقًا عضوان في مجلس الشيوخ الأمريكي ووزير ألماني. لكن الزيارات الدبلوماسية لم تُغيّر شيئًا، إذ استمر المستوطنون في اقتحام القرية وإحراق المنازل والمزارع والكنائس القديمة، في ما وصفه الحقوقيون بـ“تدمير ثقافي متعمد”.

 

منظمات حقوقية مثل “بلسان” في بيت لحم تؤكد أن ما يحدث “سياسة إسرائيلية ممنهجة للتهجير القسري”، وتصفها بأنها “انتهاك جسيم للقانون الدولي يصل إلى مستوى جريمة حرب”. منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية توثق تصاعد العنف الاستيطاني إلى مستويات غير مسبوقة خلال العامين الأخيرين، وتقول إن هدفه الرئيسي هو “طرد الفلسطينيين والاستيلاء على الأرض”.

 

تشير المنظمة إلى أن حياة الفلسطينيين تحولت إلى سلسلة من الكوابيس اليومية: اعتداءات جسدية، اقتحامات ليلية، حرائق متعمدة، طرد الرعاة والمزارعين، سرقة الممتلكات، وتدمير المحاصيل. هذا الواقع يترسخ بينما يغيب أي ردّ دولي فعلي، في ظل انشغال العالم بحرب غزة.

 

الكاتبان يشيران إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاهلت تمامًا ما يجري في الضفة في خطتها المعلنة للسلام، إذ لم تتطرق إلى التهجير القسري الذي يطال مئات القرى. يقولان إن “هذه الثغرة ليست صدفة، بل تبدو مقصودة، لأن تجاهلها يمنح سموتريتش وحلفاءه ضوءًا أخضر لمواصلة مشروع التطهير العرقي تحت غطاء الهدنة في غزة”.

 

بينما يتحدث العالم عن وقف إطلاق النار في غزة، يعيش الفلسطينيون في الضفة الغربية حربًا أخرى: حرب بطيئة، هدفها محو القرى، وتفريغ الأرض من سكانها الأصليين. وتبقى الطيبة، القرية الصغيرة الواقعة بين القدس ونابلس، شاهدًا على هذا الفصل الجديد من النكبة المستمرة.


https://www.middleeasteye.net/news/how-war-gaza-fuelled-wave-settler-violence-against-west-bank-palestinians